ظاهرة الانتحار


تفشي ظاهرة الانتحار في أوساط المراهقين

حينما يقدم الإنسان على الانتحار يشعر جميع المحيطين به من عائلته أو من أصدقائه بالأسف، ويتساءل الجميع عن الأسباب التي قد تدفع بالشخص للتخلص من حياته، وفي غالب الأحيان يأتي التفكير في الانتحار عندما يفشل الإنسان في التكيف مع الظروف المحيطة به، سواء الاجتماعية أو الضغوط النفسية أو حتى المادية.

ولكن خلافا للاعتقاد السائد بأن الإنسان عادة ما يواجه هذه الحالة في فترة متقدمة من حياته، فالتفكير في التخلص من الذات قد يبدأ في وقت مبكر جدا من الحياة، إذ حيث يمكن أن يبدأ المراهقون في التفكير في الانتحار في فترة الدراسة الثانوية أو حتى قبله.

الانتحار هو التصرف المتعمد من قبل شخص ما لإنهاء حياته، ويرى آخرون أنه قتل النفس تخلصا من الحياة، وقد اختلفت الآراء حول الانتحار هل هذا يعكس شجاعة الشخص المنتحر أم جبنه وانعكاس لفشله وعدم الحاجة لاستمرار حياته.

التفكير في الانتحار

أظهرت نتائج الدراسة أن قطاعا كبيرا من المراهقين فكروا في الانتحار بل وحاولوا فعلا الشروع في ذلك قبل الالتحاق بالدراسة الثانوية، ووجد الباحثون أن الانتحار في مرحلة المراهقة والطفولة مرتبط بشكل وثيق بالاكتئاب لدى المراهق في وقت تنفيذ محاولة الانتحار، و أوضحت الدراسة أن المرضى الذين ينتهي بهم المطاف بالمرض النفسي أو المرض العقلي تبدأ الأعراض لديهم مبكرا منذ مرحلة الدراسة الإعدادية، وهو الأمر الذي جعل الدول المتقدمة تبدأ برامج الصحة العقلية والعلاج النفسي مبكرا ما دون الدراسة الثانوية.

وقد قام الباحثون بسؤال 883 شابا تتراوح أعمارهم بين 18 و19 عاما عمّا إذا كانوا قد فكروا في الانتحار في وقت من الأوقات، وكانت إجابات 78 شابا، أي نحو 9 في المائة من مجموع العينة، أنهم فكروا في الانتحار في أوقات مختلفة من حياتهم. و وجدت الدراسة أن التفكير في الانتحار يزيد زيادة كبيرة في عمر 12 عاما، أي في العام الدراسي السادس، وأحيانا في العام الدراسي السابع أو الثامن، وبالنسبة للأطفال الذين حاولوا الانتحار عدة مرات، كان التفكير في وقت مبكر جدا في عمر 9 سنوات.

أعباء نفسية

وتبين أن التفكير في الانتحار يزيد في الأوقات التي يزيد فيها مؤشر الاكتئاب، أي في الفترات التي يعاني فيها المراهق من الإحاطات النفسية المختلفة، وهو الأمر الذي يجب أخذه بمنتهى الجدية وعدم إهماله، حيث إن عواقبه شديدة الخطورة، ويمكن تفاديها إذا تنبه الآباء للصحة النفسية لأبنائهم.

من المعروف أن مرحلة المراهقة من أكثر مراحل العمر التي تضع أعباء نفسية على الإنسان، وهي الفترة التي يبدأ فيها الطفل في التحول إلى شاب بالغ، حيث التغيرات الفسيولوجية الكثيرة التي تحدث للمراهق والتي تصاحبها بالضرورة تغيرات نفسية، حيث يسيطر القلق والحيرة على حياة المراهق ويعاني من عدم التكيف المجتمعي، فضلا عن النضج الجنسي ويميل إلى التصرف كشخص ناضج ويميل للبعد عن النصائح، خاصة من الأب والأم في كيفية التصرف في حياته.

ويحاول المراهق في هذه السن الاعتماد كلية على النفس، ولكن بالطبع تنقصه الخبرة الحياتية، وحتى في حالة اللجوء إلى الأصدقاء ممن هم في مثل سنه، وهم ناقصو الخبرة أيضا، وكذلك يميل المراهق إلى تجربة أشياء كثيرة تعتبر من الممنوعات، إذ يظن أن تجربة هذه الأشياء تدخله إلى عالم البالغين مثل التدخين أو شرب الكحوليات أو حتى تعاطي المخدرات، وتبعا لهذه الدراسة فإن انتحار المراهقين يمثل ظاهرة شديدة الخطورة ويمثل الموت بالانتحار في الفئة العمرية من 15 وحتى 24 عاما .

وبينما تبلغ نسبة محاولات الانتحار للفتيات ضعف محاولات الأولاد، فإن نسبة الوفيات أو المحاولات الناجحة للانتحار في الأولاد تبلغ أربعة أضعاف الفتيات، ربما لأن الأولاد يلجئون إلى طرق قاتلة أكثر مثل استخدام الأسلحة النارية في حالة توافرها أو القفز من ارتفاعات أو الشنق، بينما تميل الفتيات لاستخدام طرق مثل تناول جرعات زائدة من الأدوية أو محاولة قطع شرايين اليد.

أسباب الانتحار

- الاكتئاب والإحباط النفسي (وفي حقيقة الأمر أن 95 في المائة من الذين يحاولون الانتحار يعانون من الاكتئاب والمشاكل النفسية ) .
- المراهقين الذين يتناولون الكحوليات والمخدرات أو الأدوية المخدرة .
- الذين يشعرون بعدم القيمة واليأس نتيجة لتكرار الفشل في شيء معين مثل الفشل الدراسي أو في علاقة عاطفية .
- اللذين لديهم تاريخ عائلي، حيث تزيد نسبة الاكتئاب في المراهقين الذين سبق تعرض أحد الوالدين للاكتئاب أو محاولة انتحار، حيث يمكن أن يكون هناك عامل جيني وراثي يزيد من فرص الإحباط النفسي.
- المراهقين الذين سبق لهم محاولة الانتحار قبل ذلك يكونون عرضة أكثر من غيرهم لمعاودة المحاولة .
- الذين تعرضوا لمحاولة اعتداء سواء بدني أو جنسي .
- الذين يعانون من المشاكل بينهم وبين عائلتهم والذين يشعرون بالعزلة الاجتماعية في الأغلب يفكر المراهقون في الانتحار بعد حادث صادم يحدث لهم مثل موت شخص عزيز أو حدوث الطلاق بين الوالدين .

علامات الانتحار

هناك علامات تحذيرية يجب على الآباء ملاحظتها بالنسبة لمن يفكر في الانتحار مثل:
- الحديث المتكرر عن رغبته في الموت أو أنه سوف يموت قريبا أو التحدث عن الموت بشكل عام.
- الابتعاد عن الأسرة والأصدقاء والعزوف عن المشاركة في الأنشطة والأحداث التي كان يعتاد عملها.
- وجود صعوبة في التركيز والتفكير السليم وتغير سلوك الأكل والنوم .
- سلوك مسلك مدمر مثل إدمان الكحوليات أو المخدرات أو القيادة بسرعات كبيرة

و يجب على الآباء أن يراقبوا بدقة هذه التغيرات والتدخل لحماية المراهق ومحاولة احتوائه وفتح قنوات حوار بينهم وبين المراهق، خاصة إذا كان المراهق يثق بأبويه، وعدم التقليل من مشاكله مهما كانت تبدو صغيرة وغير مؤثرة، وعلى سبيل المثال فقد لا يبدو الفشل في علاقة عاطفية أو خسارة صديق مقرب مشكلة كبيرة بالنسبة للآباء، ولكن يجب إشعاره بأنهم مقدرون لحجم معاناته لأن التقليل من حجم المشكلة وإشعاره بالتفاهة يضاعف من أحزانه واكتئابه وبالتالي يزيد المشكلة، وأيضا في حالة الكلام الدائم عن الموت يجب على الأبوين محاولة توضيح أن التخلص من الذات يبدو كحل نهائي لمشكلة مؤقتة وأنه مهما كان حجم المشكلة يمكن دائما إيجاد حلول لها، وفي حالة تصريح المراهق بأنه فكر جديا في الانتحار يجب على الآباء التعامل مع الأمر بمنتهى الجدية وعرضه فورا على طبيب نفسي حتى إذا أخبرهم بعد ذلك أنه لم يعد يفكر في الأمر الآن، حيث إن التفكير في الانتحار يمكن أن يكون متكررا في حالة تعرضه مجددا لضغوط نفسية.

وفي النهاية يجب على الآباء احتواء أبنائهم وإشعارهم بالحب وبث القيم الدينية والخلقية لحمايتهم من أخطار الاكتئاب والإحباط .



مواضيع بسيكولوجيكية أخرى

مواضيع تحسيسيسية أخرى